ذرات من المعدن وقود نظيف للمستقبل

هل من الممكن الاستغناء عن البنزين والاعتماد على وقود من الحديد؟



الاحتباس الحراري الناتج من حرق الوقود التقليدي إضافة إلى ارتفاع أسعار هذا الوقود جعل عملية البحث عن بدائل آمنة ورخيصة أمراً حتمياً. لكن العلماء كانو أبعد نظراً حين رجعوا للبحث عن وقود ناتج من مصادر أولية للطاقة.

تدور الفكرة حول إنتاج مساحيق معدنية تعمل كبديل نظيف ورخيص وأكثر استدامة على المدى البعيد من الوقود التقليدي المستخدم حالياً.

وقد يسأل البعض هنا: إذا كان هناك بدائل أخرى للطاقة كالهيدروجين والوقود الحيوي والبطاريات والطاقة الشمسية والرياح، فلماذا نلجأ إلى مساحيق من المعدن كوقود جديد؟

وباستقراء واقعي لأنواع الوقود المستهلك عالميًا نجد أن عجلة التطور لتقنيات توليد الطاقة النظيفة وعلى رأسها الطاقة الشمسية والرياح تتحرك بشكل سريع، لكن الكهرباء الناتجة منها يمكن استخدامها في مجالات دون الأخرى، فلا يمكن استخدامها مثلًا في مجالات النقل كما يتم استخدام النفط والغاز.

أما الوقود الحيوي فيمكن أن يكون جزءاً من الحل،لكنه لن يكون قادراً على تلبية جميع المطالب، وبالنسبة للهيدروجين فهو يتطلب وجود خزانات وقود كبيرة وثقيلة إضافة إلى إمكانية انفجاره. وأما البطاريات فهي ضخمة جداً ولا يمكنها تخزين طاقة كافية لكثير من التطبيقات.

ولكن باستخدام المساحيق المعدنية كوقود قابل لإعادة التدوير ويمكنه تخزين الطاقة الأولية النظيفة لاستخدامه لاحقاً هو حل بديل واعد.

تتوافر في المعدن كل المواصفات المطلوبة لكي يكون الوقود المثالي في المستقبل فهو فعال وقابل للتدوير عند الطلب، كذلك فهو صديق للبيئة.

تطبيق جديد لمفهوم قديم


يتمحور المفهوم في استخدام جزيئات معدنية صغيرة تشابه في حجمها ذرات الدقيق بهدف تشغيل محركات تسمى محركات الإحتراق الخارجي.

هذه المحركات هي اصدارات حديثة من تلك المحركات المستخدمة قديماً في القاطرات البخارية التي تعمل بالفحم، والتي قادت عصر الثورة الصناعية، كذلك فقد تم استخدامها بشكل كبير لتوليد الطاقة من الفحم أو من وقود الكتلة الحيوية أو الوقود النووي في محطات الكهرباء.

وعلى عكس محركات الاحتراق الداخلي المستخدمة في السيارات التي تعمل بالبنزين، فإن محركات الإحتراق الخارجي تعمل باستخدام الحرارة من المصدر الخارجي لدفع المحرك.

كذلك فإن فكرة حرق المسحوق المعدني ليست جديدة فقد تم استخدامها منذ قرون في الألعاب النارية، ففي منتصف القرن العشرين تم استخدامها في المتفجرات الدافعة للصواريخ وخاصة تلك الصواريخ المعززة للمكوك الفضائي.

إعادة التدوير بعد الإحتراق


طرحت الفكرة من قبل فريق من جامعة ماكجيل McGill حيث قاموا بالاستفادة من خاصية هامة للمساحيق المعدنية وهي أنه عند حرقها تتفاعل مع الهواء لتشكل منتجات صلبة متأكسدة غير سامة ومستقرة، بحيث يمكن جمعها بشكل سهل نسبياً من أجل إعادة تدويرها. وهي على عكس انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة من حرق الوقود الأحفوري الذي يتسرب إلى الغلاف الجوي.

استعمل باحثو جامعة ماكجيل موقداً صمم خصيصاً لهم، وقد أظهروا بأنه من الممكن تثبيت تدفق جسيمات المعدن الصغيرة جداً المعلقة في الهواء.

أما الشعلة الناتجة من المساحيق المعدنية فقد بدت مماثلة تماماً لتلك الناتجة من حرق الوقود الأحفوري، ومن المتوقع أن تكون الطاقة للمحركات الحرارية التي تعمل بالمعدن قريبة من تلك الطاقة الناتجة من محركات الإحتراق الداخلي الحالية والتي تعمل بالوقود الأحفوري، مما يؤهلها لتكون تقنية نحو مجتمع نظيف خالي من انبعاثات الكربون.

وتبعا لهذه الدراسة، فإن الحديد هو المرشح الأول لهذا الغرض، علماً بأنه يتم إنتاج عدة مليونات من الأطنان من مساحيق الحديد سنوياً للصناعات الإلكترونية والكيميائية والمعدنية. كذلك فإن الحديد قابل لإعادة التدوير بسهولة باستخدام تقنيات معتمدة حالياً وتعمل بعيداً عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المصاحبة لعملية انتاج الحديد التقليدية باستخدام الفحم.

خطوة إلى الأمام: نموذج ملموس


رغم أن التجارب المخبرية أظهرت بأن استخدام الوقود المعدني مع المحركات الحرارية ممكناً من الناحية التقنية، إلا أن هذه الفكرة لم تطبق من الناحية العملية.

وبالتالي فإن الخطوة التالية ستكون باتجاه تحويل النتائج المخبرية إلى تقنية قابلة للاستخدام، والتي سوف تكون عبارة عن بناء نموذج للموقد وربطه مع محرك حراري.

ومن المهم أيضاً تطوير عمليات إعادة التدوير للمعادن لتكون عمليات خالية من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وتبين التجارب التي أجريت على المعادن أن كمية الطاقة التي يتم الحصول عليها عند حرقها تبلغ أكثر من ضعفي الطاقة التي يمكن الحصول عليها من حرق البنزين. وأن السيارة التي يتم تشغيلها باستخدام وقود مسحوق المعدن تقطع مسافة ثلاثة أضعاف المسافة التي تقطعها سيارة تعمل بالوقود العادي عند تساوي حجم خزان السيارتين وتساوي وزنهما، بالإضافة إلى أن الوقود المعدني قابل للتدوير وإعادة الإستخدام من جديد.‏

استخدام هذا الوقود المعدني ليس مقتصراً على تشغيل السيارات، بل يمكن أن يستخدم في تشغيل عدد كبير من المحركات ووحدات التدفئة المنزلية ومحركات توليد الكهرباء وغيرها.

ومن المتوقع أن يجد له سوقاً جيدة على كوكب آخر كالمريخ الذي يحتوي على معدن الماغنيسيوم، وذلك بهدف تزويد السفن الفضائية المستقبلية بالمحركات. فهل تتحقق رغبة الإنسان في الحصول على الوقود المثالي في المستقبل!
________________________________________________________________

إعداد: إسراء آديب لولو

المصادر:
Bergthorson, J.M., Goroshin, S., Soo, M.J., Julien, P., Palecka, J., Frost, D.L. and Jarvis, D.J., 2015. Direct combustion of recyclable metal fuels for zero-carbon heat and power. Applied Energy, 160, pp.368-382.

تعليقات